Monday, March 19, 2007

أبحث عني


أبحث عني

وسط غياهب ظلماتي

في صندوق ذكرياتي

بين ممرات أسراري

أبحث عني

************

أبحث عني

في حقيبة سفر مقفرة

في رحم أم هائمة

في دهاليز زمن مضى

وزمن سياتي

***********

وخلف الأسوار الضبابية

ألمحني

وجه باهت

ملامح مبهمة

أركض نحوي

اتلهف لاحتضاني


لكني حين أصل إلي

لا أجدني

وأعود من جديد

للبحث عني

في حقيبة سفر مقفرة

في رحم أم هائمة

في دهاليز زمن مضي

وزمن سيأتي

Sunday, March 11, 2007

!!!مزبلة سيد درويش

طبعا لم نكن نعرف..كيف كان لنا أن نعرف..لم تكن هناك أي مقدمات على أن اليوم سيأخذ هذا المنحى غير المتوقع . ذلك اليوم الحالم الذي بدأ عندما استيقظنا في حالة انتعاش بعد سهرة رائعة على كورنيش اسكندرية أمام محطة الرمل حتى الساعة الثالثة صباحا. لم نكن قد نمنا سوى أربع ساعات فقط لكنها كانت – بالنسبة لي على الأقل- أكثر من كافية. أفطرنا في الفندق واتفقنا على أننا اليوم سنتجول في منطقة بحري ثم سنزور القلعة. قررنا أن نبدأ جولتنا من محطة الرمل ثم نزولا إلى الأنفوشي والمنشية وراس التين. وهكذا خرجنا من الفندق وقررنا التوجه إلى شارع صفية زغلول حتى الآن كل شيء يمضي على ما يرام…الهواء منعش. البحر رائق المزاج.. وكذا كنا نحن.. حتى الشارع كان هادئا بشكل نسبي وكأنه كان لا يريد أن يعكر حالة الاسترخاء التي كنا فيها أنا وهي إلى أن قررنا الجلوس في مقهي إيليت لنحتسي القهوة. اخرجت الكاميرا وبدأت أصور المكان من الداخل ثم استغرقت في واجهته الزجاجية المزدانة بالخشب الأبيض والنباتات والتي تخلق جوا جديرا بمدينة تطل على البحر المتوسط. وفجأة وبدون مقدمات وجدتها تمسك بيدي فجأة وتضغط عليهما ثم تقول لي..
هي: ما تيجي نروح بيت سيد درويش..
أنا: …. بيت سيد درويش.. ممكن والله فكرة
هي: الموضوع شكله مش داخل دماغك
أنا: لا خالص بس أنا علاقتي بسيد درويش مهياش قد كدة..
كان كلامي صحيحا إلى حد بعيد.. لم يكن يعني إنني أكرهه بل على العكس لكني لا أزعم أبدا إنني من مريديه وعشاقه..كل ما هنالك هو إنني أضبط نفسي احيانا وانا أدندن "زوروني" أو "طلعت يا محلى نورها" لكن العلاقة تنتهي هنا. بيد أنها اقتراحها أثار فضولي لأن أرى أي كان يعيش فوجدت نفسي أنادي على الجرسون وأسأله..
أنا: من فضلك عايزين نروح بيت سيد درويش..نركب إيه أو نمشي إزاي؟
الجرسون: بيت سيد درويش في كوم دكة.
أنا: ايوة بس نروح له إزاي؟
الجرسون (وقد أدرك أخيرا اننا لسنا من أهل المدينة): اه بصي حضرتك آخر الشارع ده خشي شمال وبعدين إسألي من هناك.
نظرت إليها نظرة من نوع.. يلا؟ فأجابتني بنظرة من نوع..يلا. حاسبنا وخرجنا ثم فعلنا بالضبط ما قاله.. مشينا إلى آخر الشارع ثم دخلنا شمال. كان شارعا ضيقا تصطف على جانبه الأيمن محلات الكهرباء. سألنا رجلا عجوزا يبدو عليه أنه الاسطى عن كيفية الذهاب إلى بيت سيد درويش
الاسطى: بصوا آخر الشارع ده يمين في أول شمال وبعدين اسألوا من هناك.
أنا : ألف شكر
فعلنا بالضبط كما قال فوجدنا أنفسنا أمام مطلع حارة شكله مرعب للغاية. لم أر في حياتي مطلع شارع بهذا الانحدار والوعورة. لكن القرار كان قد اتخذ ولا مجال للتراجع.
أنا: بصي إيه رأيك ناخد نفس جامد ونطلعه جري علشان منحسش بيه.
هي(وهي تنظر إلي نظرة من النوع إللي بيضرب رصاص): جري؟ جري إيه؟ أنا مفياش حيل للجري.
أنا: إنتي يا معصعصة مفكيش صحة آمال أنا أعمل إيه؟ يلا يا بت بلاش دلع. لحسن انا أصلي نفسي بدأت تتسد عن المشوار ده فيلا قبل ما أغير رأيي.
هي: أمري إلى الله. بس لو نفسي اتقطع هخليكي اتشليني!!
وبالفعل أخذنا نفسا عميقا وأمسكنا بيدي بعض ثم بدأنا نصعد المطلع ركضا. كان الأمر شاقا لكننا تعاملنا معه مثلما نتعامل مع الدواء (سد مناخيرك وابلع من غير ما تفكر). لم نصدق عندما وصلنا إلى آخر الشارع أن هذا المطلع اللعنة قد انتهى. طبعا لا حاجة بي لأن أقول إن أنفاسنا كانت متقطعة كشريط سافف لكن الخلاصة هي أننا اجتزنا أول العقبات أمام الوصول لبيت سيد درويش. كانت الخطوة الثانية هي السؤال مرة أخرى. مشينا قليلا حتى رأينا محلا لبيع سندوتشات الفول والطعمية (الفلافل علشان الاسكندارانية ميزعلوش) فسألنا رجلا عن الاتجاه فقال شمال في يمين في شمال آخر لا أذكر. المهم أننا وجدنا أنفسنا في قلب حواري الاسكندرية!!
بعد أن تهنا قليلا بين حنايا هذه الشوارع الصغيرة الضيقة التي يختلط فيها عبق التاريخ برائحة اليود وصلنا إلى حارة العسال..أخيرا محطتنا المنشودة.. بيت سيد درويش. لا أعرف لماذا كان قلبي يخفق بقوة في هذه اللحظة. الموضوع منذ البداية لم يثر حماستي والحقيقة اننا تعبنا كثيرا حتى نصل هنا لكن لا أدرى لماذا أحسست في هذه اللحظة انني حققت انجازا عظيما..كانت رحلة..مقصد..وأنا أعشق الرحلات والمقاصد وأفرح بنفسي عندما انجح في بلوغهما.. كان هذا هو تفسيري للحالة التي أشعر بها الآن.. نظرت إليها فأدركت أنها تعيش الإحساس ذاته..إحساس من بلغ مقصده. توجهنا إلى بقالة كان صاحبها يعلق صورا لدرويش والبحر وإيمان في كل أركانها. فسألناه عن البيت. لكن الرد الذي جاءنا لم يكن على الإطلاق ما توقعناه. صاحب البقالة: لييه؟ جايين تشوفوا إيه؟ مفيش حاجة تتشاف. جايين تشوفوا الخرابة؟ ده بقة خرابة. بيت سيد درويش بقة خرابة. مفيش حاجة تتشاف. روحوا أحسن. طبعا الكلام نزل علينا كالماء البارد فانتابنا الوجوم للحظة ثم بادرته هي بالقول إننا قطعنا مسافة طويلة حتى نصل هنا وإننا نريد أن نرى البيت أيا كان حاله فرد عليهاصاحب البقالة: اهو البيت عندك أهو في آخر الشارع على شمالك. بس أنا بقولك ده بقة مزبلة. متبقيش تزعلي لما تروحي هناك وتشوفي أنا قلتلك وعملت إللي عليا. رمقنا بنظرة إشفاق ثم عاد إلى بقالته وزبائنه. أما نحن فوقفنا ننظر لبعضينا لوهلة.. بصراحة لم يكن ذلك في حسباننا على الإطلاق.. بيت سيد درويش بقة خرابة. لم نكن نتوقع قصرا لكن لم نتوقع خرابة أيضا. ظننا أن الرجل يبالغ وأن الأمر ليس بهذا السوء. لكننا عندما وصلنا أدركنا انه في الحقيقة كان أمينا إلى درجة مخيفة. يا الله ما هذا المنظر. هل هذا هو البيت الذي عاش فيه فنان الشعب؟ الرجل الذي نحتفي به على شاشاتنا ندع بيته يتحول إلى مقلب زبالة!!! انفجرت هي بالبكاء أما أنا فظللت صامتة أرقب المنزل في ذهول. أحسست ساعتها بكراهية شديد لنا نحن المصريين. إلى هذه الدرجة نحتقر تراثنا.. إلى هذه الدرجة لا نكن أي احترام لمن أعطوا لحياتنا ولبلادنا معنى؟ يعني هي وزارة الثقافة متعرفش إن ده بيت سيد درويش؟ لا طبعا أكيد عارفين.. أمال سايبينه كده ليه؟ يعني مش يرمموه بالكامل لكن يحفظوا شكله الإنساني على الأقل ميسبهوش بالمنظر ده. لم أدر بنفسي إلا وأنا أنتزع الكاميرا من يديها والتقط الصور وأنا في حالة غضب شديدة. كان رأيي قد استقر على أنني سأنشر هذه الصور حتى يراها أكبر عدد ممكن من الناس ليعرفوا إلى أي مستوى وصلنا. أخذت التقط الصور حتى نفذت بطارية الكاميرا. فاكملت التصوير بكاميرا هاتفي المحمول. للمرة الثانية لن اتكلم وسأدع الصور تعبر عن نفسها.




طبعا لم نكن نعرف..كيف كان لنا أن نعرف..لم تكن هناك أي مقدمات على أن اليوم سيأخذ هذا المنحى غير المتوقع . ذلك اليوم الحالم الذي بدأ عندما استيقظنا في حالة انتعاش بعد سهرة رائعة على كورنيش اسكندرية!!!